اقترب شهر العبادة شهر التقرب الى الله؛ شهر الاحساس بالمساكين؛ شهر تلمس حاجات المتعففين؛ شهر طلب الرحمة والمغفرة والعتق من النار؛ شهر السمو بالنفس والنأي بها عن كل ما يفسد طمأنينة الروح وروحانية الشهر الفضيل. ومع إطلاق أول مدفع من مدافع هذا الشهر الكريم في سماء المدينة لإعلان رؤية هلال رمضان تدخل المدن أجواء روحانية مع صوت أول صلاة تراويح لأول ليلة من ليالي رمضان. بالمقابل يقاسي البعض في اغلب شوارع المدن الرئيسية من حالة طوارئ وازدحام لا مثيل لها في أغلب شهور السنة؛ وحتى اهتمامات وتفضيلات البعض تتبدل تلقائيًا وتبدأ أمزجتهم بالتقلب؛ فالهادئ بطبعه يصبح عصبيًا والعصبي يقضي يومه متوترًا والمتوتر بطبعه يفتعل المشاكل وهكذا الى أن تنتهي حالة الطوارئ النفسية المصاحبة لشهر رمضان.
من تصدر منهم هذه التصرفات عفويًا قد لا يلقون لها بالًا لكنها محسوسة بكل تفاصيلها للمقربين منهم؛ فهناك من يستيقظ صباحًا بمزاجٍ سيئ فيؤثر على سكينة هل بيته في نهار رمضان؛ ومنهم من يذهب لعمله بنفسٍ سيئة تعكس أثار الصوم عليه بشكل يجعل من احتاج منه خدمة في نطاق عمله يفكر ألف مرة قبل أن يطلبها منه. وهناك أيضًا من يعكف على التلفاز ليرصد المسلسلات الرمضانية ويصنفها وفقًا لتوجُّهاتِه وأهوائه؛ ليبدأ بعدها مسلسل الانتقاد والاتهام والتصنيف والتحريم إن لم يصل للتكفير في فضاء وسائل التواصل الاجتماعي للفت الانتباه أو تأليبًا للرأي العام. ومنهم من يترصد للأطفال ويضيق عليهم الخناق بحجة أنهم غير صائمون ولا يليق بهم الجلوس على مائدة الإفطار؛ لا يدري أنه بذلك قد كسر بأنفسهم فرحة دخول الشهر ولإرضائه قد يلجأ بعضًا منهم على التظاهر بالصوم عن الصوم حقًا بقدر طاقتهم واستطاعتهم. وعلاوةً على ذلك، هناك من يحول منزله لمعسكر طوارئ قبل الأذان متسببًا في بث حالة التوتر لكل فرد يسكن معه؛ فإمّا ان يقضي الدقائق البسيطة التي تسبق الأذان في المطبخ مستفسرًا عن حال الاطباق وتنوعها وإمّا متصدرًا صدر المجلس للإشراف على ترتيب طاولة الطعام ورصد نواقصها مقيمًا ما يجب أن يوضع الآن وما لا يجب أن يؤكل. وبالمقابل في آخر ساعة خارج نطاق المنازل تعلو الأصوات وقد يصل الأمر لتشابك الأيدي على الطرقات وفي الشوارع وأمام المطاعم أو المتاجر لأتفه الأسباب.
وفي النهاية بعد كل موجات التوتر التي تعيشها الاسر، وزملاء العمل، ومرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، والمتسوقين، أو عابري الطرقات مع هذه الفئات المذكورة أنفًا؛ وقبل مدافع الإفطار يختتم الحالة أصحابها المقصودين بـ عبارة “اللهم إنِّي صائم” متناسيين بذلك الكم الهائل من الطاقة السلبية التي نشروها طوال أيام هذا الشهر الكريم.
#رمضان_كريم🌙
هاجر هوساوي
HajarHawsawi@