التقدم التقني بقدر ما نسعى للوصول لأحدث ما وصل إليه بقدر ما يجب أن نحذر من سلبياته؛ ففي كل حقبة زمنية لجيل مختلف من أبنائنا تظهر لنا قضية رأي عام لأحد ضحايا التقدم التقني؛ فيتبيّن لنا حجم الضعف الرقابي الذي بتنا مؤخرًا نعاني منه ابتداءً من البيت للمدرسة ثم المجتمع. قد نسمي ما حدث لبعض الأجيال في الماضي أو يحدث الان تقصيرًا أو ثقة مُفرطة، أو قد ندعوه جهلًا أو تهاون بالمخاطر، أو قد نعتبره إهمالًا متعمدًا أو تشددًا متعمّد بنواحي أخرى!
فالشر الذي كنّا نراه بعيدًا عنّا في المجتمعات الغريبة قد يصبح أقرب إلينا وأعنف مما شهدناه عندهم. ففي السابق لجيلٍ مضى مرَّت علينا فترات تجنيد المراهقين في الجماعات الإرهابية والمنظمات المنحرفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ فتحدثنا عن الأمر كثيرًا وناقشنا الاسباب ثم كثفنا التوعية ولم نكثف العنصر الرقابي. وفي السنوات الأخيرة مرَّت أيضًا فترات انتحار الاطفال في دُول متعددة فتحاورنا مع أبناءنا عن ذات المصيبة ونصحناهم بعدم تثبيت أي لعبه عنيفة؛ وبالمقابل عمَّ الصمت أساس المصيبة فدخلت منازلنا بعدة حالات وأشكال مختلفة قد لا تكون الأخطر لكنها الأكثر تفككًا في نطاق الأسرة. وبهذه الشهور ظهرت على صفيح الأحداث الساخنة قضايا التحرش بالأطفال بواسطة الالعاب الالكترونية وبرامج التواصل الاجتماعي، فجيشنا حروفنا وحاصرنا أبناءنا ولاحقنا الجناة ثم بدأنا في نشر برامج اخرى لمراقبة أبناءنا وهم بصحبة صديقهم الوهمي الذي عمقت علاقته به الالعاب الكترونية أو ذلك المجهول الذي يدعي الاهتمام به في فضاء برامج تواصلي.
ثم ماذا بعد ذلك؟ ما الهفوة والمفاجأة أو الكارثة الجديدة التي تحملها التقنية لأبنائنا في الفترات القادمة؛ فلقد تعددت مُسبقًا طرق استدراجهم واغوائهم وتشتيت افكارهم واللعب على سكون حياتهم والهدف الأوحد (هُمْ والمجتمع ومستقبلهم). فبهذا الوقت؛ التحذيرات لم تعد ذات فائدة لأن خيال الطفل وفضوله عادةً ما يقوداه ببراءة لاكتشاف سبب هذه المحاذير الموجهة إليه من والديه وأشقاؤه. وبرامج المراقبة قد تُوقف خطرًا يطوف حولهم لكنها لن تُظهر ما استوطن في نفوسهم. والعقوبات لن تُجدي نفعًا إن لم يستوعب الطفل مدى حساسيته الأمر وخطورته عليه وعلى مستقبله. والثقة المفرطة بسلوكهم المحترم أمام أولياء أمورهم ليست درعًا يحميهم من حشرات الشبكة العنكبوتية.
ملاحظة؛ ما دمتم تاركين حبل الأمان طافيًا على قارب الثقة فالحروف الختامية لا تحتوي على حلول جذرية لكل ما ذُكر سابقًا فهي مجرد بطاقة تذكير قصيرة؛ لذلك فإن لم تحاولوا أن تكونوا الأقرب لقلوبهم من أي برنامج ولعبه زاحموا أوقات عكوفهم عليها بما يُعيد ثم يبدأ بتشييد وتعميق ثقتهم بكم.
فلم تعد ثقتنا بهم كافية بل نحن من نحتاج أن نعيد ثقتهم بنا حتى لا تُبنى ثقةً اخرى مع فرد غريب أو تقنية حديثة بثقافة أكثر غرابة عن مجتمعنا وعالمنا.
هاجر هوساوي
HajarHawsawi@