الملل المحمود
لم يعد هناك وقت للشعور بالملل في هذا العصر..
ذلك ادعاء عام منّي أريد أن أعمّمه على أبناء عصرنا هذا.. كلّ من لا يتّفق معي فهو إما ليس من هذا الجيل أم منفصل عنه..
حسنًا.. يبدو ذلك تعميمًا متطرّفًا قليلًا.. لنقل أنّ الكثير على الأقل من جيلنا لم يعد يخبر تجربة الملل..
لماذا إذًا؟
أصبحت الإجابة الكلاسيكية هي إما بسبب وسائل التواصل الاجتماعي التي تسرق انتباهنا في كلّ لحظة، أم بسبب التسارع الصارخ في الإنتاج وكثرة المحتوى عالميًّا، أو كليهما معًا..
لستُ هنا بصدد مناقشة مدى صحيّة تلك الأسباب، فلها مثل أي شيء في الحياة إيجابيّاتها وسلبياتها بطبيعة الحال..
ولكنّي أريد أن أختبر فكرة الملل..
هل من الجيّد أنّنا أصبحنا لا نمل؟ يبدو ذلك شيئًا جيّدًا..
سأقترح نوعين من الملل وأريدني وإياكم اختبار تلك الفكرة..
يبدو لي أن هناك مللٌ محمود ومللٌ مذموم..
كلّ ملل يؤدي إلى الإحباط أو الإدمان السيء فهو ملل مذموم..
النفس الإنسانية غير مُعدّة للفراغ، كما قال علماؤنا: نفسك إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر..
حسنًا.. ماذا عن الملل الذي يؤدي الصبر عليه إلى الإبداع والصفاء والإنجاز؟
إن كان الصبر على الملل سيوسّع ذائقة الخيال عندي ويجعلني أخلق عالمًا أدبيًّا كاملًا يرتبط معه العالم كسيّد الخواتم Lord of the Rings أو عالم أغنية الجليد والنار Song of Ice and Fire المشتق منه مسلسل صراع العروش Game of Thrones.. فذلك ملل محمود..
إنّه ذلك الملل الذي يؤدي إلى خلق عوالم عظيمة يمتد تأثيرها بين الشعوب والثقافات بكل تنوّعها لترتبط بها..
وإن كان الصبر على الملل سيدخلني في حالة تأمّل وتفكر في خلق الرحمن حتى يخلق عندي حالة من التقدير لكل ما هو موجود وشعور بالامتنان لمن أبدع كلّ شيء وجعلني جزءًا من حكاية الحياة.. فهو ملل محمود..
ومن هنا.. أجد أنّ الملل قد يكون شيئًا جيّدًا في نهاية المطاف إن استطعتُ استثماره بالشكل الذي يضيف قيمة مضافة على حياتي..
اللهم اشغل أوقاتنا بكلّ خير واجعلنا من أهل الخير يا مولانا يا كريم..
حسين العوفي
@HussainAloufi