العيش بالحد الأدنى
جعلني فيلم Minimalism الذي شاهدته على منصة Netflix أتفهّم طريقة عيش البشر بتلك الطريقة، فهي ليست بمعنى الزهد كما كنت أظن (والذي لا أحبّذ العيش به)..
لم أجد ترجمة مناسبة بكلمة واحدة تعرّف الـMinimalism غير كلمة التجرّدية أو التقليلية..
وعند القول بالتجردية فنحن نعني طريقة العيش بالحد الأدنى، ولا نقصد بالتجرّد أي التفكير بالمجرّدات Abstract فذلك موضوع آخر تمامًا..
ولكن ماذا يعني العيش بالحد الأدنى على أيّة حال؟ هل هو الزّهد؟
أن يكون الشخص متجرّدًا، أو Minimalist، لا يعني بالضرورة أن يكون زاهدًا، فالزهد يأتي مضادًا للحرص على متاع الدنيا، والذي شخصيًا لا أحبّذ العيش به كما أسلفت لأن الحياة لا تستقيم بالزهد المادي عنها..
أؤمن بكلّ تأكيد أنّ حرص القلب على الدنيا هو طريق وعر وقد يكون فخ شيطاني وأنّ الزهد النّفسي عنها هو الطريق الأكثر أمانًا على آخرتنا، لكن لا يعني ذلك بالضرورة نبذ المادّيات من الحياة والعيش ببيت من سعف النّخيل أو بمرقّعات المتصوّفة..
إذًا ما هو العيش بالحد الأدنى في هذه الحالة؟ هل هو البخل؟
بالطبع لا.. البخل عكس التبذير، وكلاهما صفتان ذميمتان تؤذي الانسان.. كما أنّ حرص الانسان على ماله لا يعد بالضرورة بُخلًا، بل قد يكون وعيًا ماليًّا سليمًا..
ما الحد الفارق بين البخل والوعي المالي؟
“كل ما زاد عن حدّه انقلب ضدّه”.. ومن هنا حين يصبح أثر الحرص على المال سلبيًّا بحيث يبدأ الأب بالتقصير في حق أبناءه وزوجته مثلًا، يتحوّل ذلك الحرص من وعي إلى بخل.. إذًا فالفارق هو في نتيجة ذلك الحرص..
حسنًا، إذا لم تكن التجرّدية زهدًا ولا بُخلًا، فما هي إذًا؟
العيش بالحد الأدنى كمتجرّد، أو Minimalist، هو العيش بالأشياء الضرورية والمهمّة فقط.. بمعنى أن يتخلّص الانسان من كل ما هو زائد عن حاجته ويبقي ما يحتاج إليه إضافةً إلى كل ما يحب..
فقد يتخلّص الانسان من أغلب التحف التي في منزله، ويبقي على التّحف المحببة إليه والتي تعني له الكثير على سبيل المثال..
وقد يكتفي الانسان بالملابس التي فعلًا سيلبسها ويتبرّع بين فترة وأخرى بالملابس التي قد حان وقت استبدالها..
حسنًا.. أليست طريقة العيش تلك بديهيّة؟ لماذا كلّ تلك التعاريف وذلك الوثائقي؟
ليست بديهيّة بالضرورة حين ننظر بعيون دقيقة إلى بعض ممارساتنا.. ماذا عن “بيت الأحلام”؟
أليس في ثقافتنا السعي حتى نصل إلى ذلك البيت الذي من مواصفاته الأساسية أنّه واسع جدًّا و”تطرد فيه الخيل”؟
ثم ما إن يوفّق الله الانسان لشراء ذلك المنزل، والذي قد يضطر للاقتراض من أجله، حتى يتخلّى تدريجيًّا عن استعمال 70 بالمية من مساحته، فيصبح مجلس الحريم مخزنًا للأشياء الزائدة فقط..
ماذا لو واجه الانسان نفسه مواجهة حقيقيّة وحدّد أولوياته وما يحتاجه فعلًا للعيش حياة كريمة بأقل التكاليف ودون حرمان نفسه متعة الحياة؟
توجد ممارسات وتفاصيل كثيرة للعيش بتلك الطريقة، سأضع رابط قناة اليوتيوب لصانعي ذلك الفيلم لمن أراد التوسّع في هذا الموضوع..
.
.
.
حسين العوفي
@HussainAloufi
مصادر
The Minimalists Podcast
https://www.youtube.com/c/TheMinimalistsPodcast