
يتطلب تغيير الصورة الذهنية وجود كفاءات متمكنة وواعية ثقافياً وعلمياً ومهارياً ، وبما أن رؤية المملكة ٢٠٣٠ قد اعتبرت الابتعاث كاستثمار كبير لبناء مهارات أبناءها وبناتها ، فيمكن القول بأن المبتعث من بين الكفاءات البشرية المؤهلة لإحداث أثرا إيجابي في مجتمعة الدراسي ” على الأقل” ليسهم في تغيير الصورة الذهنية عن دينه وثقافته وبلده.
ومن هذا المنطلق، تشرفت بحضور برنامج جسور في عامه الثاني لتنمية مهارات المبتعثين في التواصل الحضاري مع الثقافات المتنوعة وترسيخ قيم التعايش والذي قام بتنظيمه سلام للتواصل الحضاري بالتعاون مع الملحقية الثقافية في الولايات المتحدة الأميركية.
على مدى ثلاثة أيام ، استمتع الحضور بتعلم العديد من القدرات والمهارات التي تساعدهم على إيصال المعاني الحقيقية للمختلف ثقافياً. تم تخصيص اليوم الأول لتعلم مهارات التواصل مع الآخر من أجل تصحيح المفاهيم الخاطئة وترسيخ قيم التعايش وإيصال صورة حقيقية عن السعودية بإبراز منجزاتها الحضارية في بناء السلام العالمي، فقد تحدث الدكتور هاني الملحم دكتور الفلسفة ومقارنة الأديان بجامعة الملك فيصل عن أسس التعامل مع الثقافات من خلال التعريف بالثقافة ومعرفة مكوناتها وكيفية قيادتها لعمليتي التأثير والتأثر . ومن أبرز المفاهيم المهمة التي تم تناولها مفهوم التثاقف أو acculturation وهو مفهوم مهم يواجه كل مبتعث ومبتعثه في حياته/ها اليومية ، حيث يظهر عند انتقال المبتعث/ المبتعثة للعيش في مجتمع جديد ( المجتمع الأمريكي على سبيل المثال) ، لتحدث عملية التغيير الثقافي بسبب وجود ثقافة أو ثقافات جديدة تختلف عن ثقافته/ثقافتها الرئيسية في بلده الأم ، مما يؤدي إلى اكتسابه لهذه الثقافة الجديدة من خلال التواصل والاحتكاك اليومي مع المجتمع الجديد. ويتخذ التثاقف أشكالًا أربعة ألا وهي الفصل، الاندماج، الاستيعاب، والتهميش.
كما ركز اليوم الثاني من برنامج جسور على شرح مفاهيم وتطبيقات الصورة الذهنية قدمها المذيع صلاح الغيدان. شدني كثيرا تعريف الصورة الذهنية كنتيجة للانطباعات التي تتكون لدى الشخص تجاه موضوع أو مجتمع معين عن طريق التواصل المباشر أو غير المباشر بغض النظر عن مصداقيتها . يضع هذا التعريف مسؤولية كبرى على عاتق كل مبتعث ومبتعثة من حيث ضرورة الاهتمام بخلق صورة إيجابية واضحة من خلال التعاملات اليومية مع المجتمع الأمريكي مع دمج المكونات الوجدانية والمعرفية والسلوكية عند تسويق فكرة مركزية واحدة مثل : التنوع الثقافي في المملكة العربية السعودية ككنز ثقافي نادر الوجود.
ومن هنا يبرز أثر تسويق مثل هذه الأفكار الإيجابية للمجتمع الأمريكي من حيث شد انتباه المتلقي للتعرف على أفكار إيجابية أخرى تصنع صورة ذهنية مميزة لتسهم بشكل مباشر في زيادة مساحة العلاقات الدولية للسعودية وتعزيز مفهوم الاحترام المتبادل وتقبل التنوع الثقافي ، والأهم من ذلك هو تحجيم دور اللوبيات التي تعمل على تهميش القيم المشتركة بين الشعوب والإضرار بالمصالح السعودية الأمريكية والدولية كتجاهل صريح لقوله تعالى ” يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”.
أما اليوم الثالث فقد تم تخصيصه لمعرفة أساليب وطرق الرد على أبرز القضايا المثارة دولياً تجاه المملكة العربية السعودية ، حيث قدم المهندس عبدالله الأحمد شرحاً وافياً لأبرز الطرق والمهارات مثل مهارات التدليل ، والتفنيد والتجنب . كما خضع المشاركون والمشاركات لتدريب عملي مكثف على طرق الرد من خلال مشاهدة وتحليل أمثلة من الإعلام لطرق رد المسؤولين السعوديون على تساؤلات الصحفيين تجاه بعض القضايا الجدلية. وأختتم اليوم الثالث بورشة عمل قدمها الأستاذ عبدالله الشهري عن بناء المبادرات في التواصل الحضاري .
ختامًا ، يمكن إحداث عملية تغيير الصورة الذهنية من خلال امتلاك المبتعث لمهارات الحوار، وتركيزه على المفاهيم الإيجابية المشتركة بين الشعوب، ومشاركته الفاعلة في مناسبات الجامعات الأمريكية وفعاليتها الثقافية وتكثيف العمل التطوعي في المنظمات الطلابية التي تتبنى تقبل الحوار المتسامح ثقافياً ولغويًا. إن تسلح المبتعث كقوة ناعمة بمهارات الإقناع وطرق وأساليب الحوار البناء من العوامل المهمة لإحداث أثر إيجابي على المتلقي الأمريكي بشكل مباشر أو غير مباشر. كما سيساعد ذلك على خلق صورة ذهنية إيجابية منطلقها العقيدة الإسلامية السمحة وتتسم باحترام التنوع الثقافي وتعزيز مبدأ التعايش مع الثقافات المختلفة لتكون المحصلة النهائية تغيير الرأي العام “المُضلل” تجاه القضايا المثارة تجاهنا. كل الشكر لفريق سلام للتواصل الحضاري وللملحقية الثقافية بأمريكا على هذا التعاون المثمر ونتطلع إلى مزيداً من الورش الفعالة والهادفة في المستقبل القريب.