إذًا ما هو سر السعادة؟
ذكرتُ في مقالي السابق “هل المال يجلب السعادة؟” أنّ السعادة لا ترتبط بعامل واحد ينطبق على جميع البشر.. فالإنسان يختلف عن أخيه الانسان.. والانسان نفسه يختلف مزاجه من وقت لآخر..
وتساءلتُ بعدها عن إمكانية أن نصل إلى ما يمكن أن يكون عامل جوهري ترتبط به أغلب تعريفات السّعادة..
حسنًا.. يبدو أنّ تلك المهمّة ليست بالسهلة تمامًا ولا يمكن أن يُجيب عليها شخص واحد بمنظوره الخاص كما ذكرنا لاختلافنا عن بعضنا.. نحتاج على الأقل أن نُجري دراسة على أشخاص كثر وفي أوقات مختلفة من أعمارهم كي نستطيع أن نقارب معنى السعادة أكثر..
ذلك ما عملته الدراسة الأطول عمرًا في جامعة هارفارد ” The Harvard Study of Adult Development” والتي يحكيها لنا الطبيب النّفسي في كلية الطب بجامعة هارفارد روبرت والدينجر ” Robert Waldinger” في أحد حلقات الـTED talks والتي سأضع رابطها في الأسفل لمن يريد الاستزادة..
تحدّث الدكتور والدينجر في عام ٢٠١٦ أنّ الدراسة بدأت منذ ٧٥ عاماً وما زالت مستمّرة إلى حينها.. خلال تلك الأعوام تمّ دراسة حياة ٧٢٤ رجل باختلاف خلفيّاتهم وطبقاتهم من أعمار المراهقة والعشرينيات.. منهم من شارك في الحرب العالمية الثانية.. ومنهم من كان طالبًا في جامعة هارفارد.. منهم الفقير جدًّا من أسوأ أحياء بوسطن.. ومنهم الغني جدًّا..
وحين كبروا.. منهم من أصبح الطبيب ومنهم من أصبح البنّاء ومنهم من أصبح المحامي ومنهم من أصبح عامل مصنع وهكذا..
وتعدّدت حالاتهم النّفسية والاجتماعية كذلك.. منهم من أصبح مدمن كحول.. ومنهم من عانى من أمراض نفسية.. منهم من كان فقيرًا وأصبح غنيًّا والعكس..
بقي منهم ٦٠ رجلاً حين كان يتحدّث عنهم الدكتور والدينجر وقتها ولا زالت الدراسة قائمة على أبناء الجميع الآن والمقاربين لـ٢٠٠٠ شخص!
كانت دراسة مطولة ومكثفة أيضًا إذ لم تكتفي بإرسال استبيان للأشخاص المعنيين.. بل كانت تدرس تقاريرهم الطبية وتنعقد معهم اجتماعات فردية وتُسجّل مشاعرهم وحياتهم العملية والمنزلية والاجتماعية والنفسية وتوُثّق علاقاتهم بدقّة..
.
.
حسنًا..
بوجود دراسة تبحث عن مصدر السعادة بهذا العدد الكبير من الأشخاص المتعدّدي الظروف وهذه المدة المطوّلة وهذا التعقيد في الإجراء، نجد أنّ نتيجتها يجب أن تكون محترمة وتقارب لنا معنى السعادة بخطوات هائلة…
باختصار شديد..
يذكر الدكتور أن ملخّص نتيجة تلك الدراسة حتى الآن هو:
“العلاقات الجيّدة تجعلنا أكثر صحّة وسعادة”
ما كان يربط جميع من مات أو ما زال يعيش سعيدًا في هذه الدراسة هو العلاقات الجيّدة..
كلّ من عاش سعيدًا كانت عنده روابط اجتماعية جيدة وعلاقة عاطفية مستقرة..
ما كان يحكم هل سيعيش صاحب الخمسين عامًا إلى الثمانين ليست نسبة الكولسترول في جسمه فقط بل مستوى رضاه عن علاقاته الاجتماعية أيضًا..
من كان يحافظ على ذاكرته بشكل أطول مع تقدّم العمر هو صاحب العلاقات الحميمية المستقرة وشعوره بالاطمئنان الاجتماعي..
إذًا..
تعريفات السعادة كثيرة.. ولم تستطع الدراسة أن تجد تعريفًا مُحكم للسعادة..
لكنها أعطتنا مصباحًا نهتدي به في ظلمة الظروف إلى بر السعادة..
أسأل الله لي ولكم علاقات طيبة تشعرنا بالأمان وتقودنا إلى السعادة..
اللهم ارزقنا الحياة الطيبة والنّاس الطيبين وتقبّلنا في الدنيا والآخرة يا مولانا يا كريم..
.
.
.
حسين العوفي
@HussainAloufi
مصادر
Robert Waldinger: What makes a good life? Lessons from the longest study on happiness | TED
https://www.youtube.com/watch?v=8KkKuTCFvzI&ab_channel=TED