في حوار حدث مؤخراً مع بعض معلمي ذوي الإعاقة البصرية؛ ذكرت أحد المعلمات (كفيفة) أن والدتها لا تزال تستخدم معها مصطلحات غامضة مثل “هنا” و”هناك” بدلا من استخدام مصطلحات دقيقة في التوجيه أو الشرح. إننا كمعلمين ومناصرين لقضايا ذوي الإعاقة حري بنا أن نبذل قصارى جهدنا في دمج ذوي الإعاقة في مجتمعاتنا. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يمكننا الوصول إلى مرحلة الدمج الاجتماعي بينما نحن أفراد عائلة المعاق والقائمين على شؤون المعاقين لم نغير من تصرفاتنا معهم؟ إن عملية الدمج تبدأ من الأسرة،ومن ثم من الممكن توسيعها إلى دوائر اجتماعية أوسع وأشمل. إن الشعور بالانتماء والإحساس بأنك جزء من مكونات المجتمع هو ركيزة أساسية لبناء الثقة اللازمة بالنفس، والتي بدورها تساعد ذوي الإعاقة في المشاركة في كافة مناحي الحياة. إن بناء هذا النوع من الثقة والاعتزاز بالنفس يبدأ من المنزل.
حينما أتأمل الدور الذي تلعبه أسرة الطفل المعاق، أجد أنه من المفيد أن نستوحي النموذج البيئي. في هذه الحالة، فإن النموذج البيئي يخبرنا بأن نظرة الطفل الكفيف لنفسه و لإعاقته وكذلك ثقته بنفسه تتأثر بالآتي:
– العائلة، الأصدقاء، والشبكات الاجتماعية المقربة.
– المدارس، والمعاهد التي ينتسبون إليها.
– المجتمع بوجه عام ونظرته للإعاقة.
– السياسات والأنظمة المتعلقة بذوي الإعاقة؛ ونظرة المجتمع تجاه سياسات دمج ذوي الإعاقة في المجتمع.
إن النموذج البيئي يقر بحقيقة أن الأفراد جزء من منظومة أكبر من المجتمعات، بدءاً من المنزل الذي ينشؤون فيه وإنتهاء بالقوانين الوطنية والسياسات الدولية. صحيح أن الاندماج الكلي الذي نصبوا إليه يتطلب مجهوداً على كافة الأصعدة المذكورة أعلاه، ولكن الأساس دائما مايكون في العائلة.
رسم لخمس دوائر متحدة المركز. بدءًا من الداخل والخارج ، فهم يمثلون الشخصية ، والشخصية ، والمؤسسية ، والمجتمع ، والسياسة.
إن جزءاً من المسؤولية المنوطة بعاتق من يقوم على رعاية طفل من ذوي الإعاقة البصرية تكمن في مساعدته على
١) تفهُّم بعض المظالم الموجودة في هذا العالم والتي قد تؤثر عليه بشكل أو بآخر،
٢) اكتساب مهارات الدفاع عن والمطالبة بحقوقه
٣) التوضيح للآخرين أفضل الطرق في التعامل مع ذوي الإعاقة البصرية .
إن الهدف الأسمى للوالدين في تربية أولادهم هو إعدادهم للعيش في هذا العالم بشكل مستقل دون الحاجة للتواجد الدائم للوالدين أو أحدهما. في هذا المقال، سوف أتحدث مع والدي الطفل من ذوي الإعاقة البصرية أو من يقوم على رعايته؛ وسأناقش التأثير الذي من الممكن أن يحدثانه في المنزل، في المجتمع، وفي رحلة الابن نحو الاعتماد الكامل على الذات.
خلق بيئة منزلية آمنة تمنح الاحترام للطفل
من الضروري بناء بيئة منزلية آمنه مشجعة لطفلك الكفيف؛ كونها الركيزة الأساسية لنموه. فيما يلي بعض النصائح العملية التي يجب أتباعها في البيت من قبل من يقوم على رعاية الطفل الكفيف.
صورة تظهر فقط أصابع شخص يقرأ كتابًا بطريقة برايل.
١- حافظ على جعل المنزل مرتبا، وتجنب وضع الأشياء في منتصف الممرات والأماكن التي يستخدمها الطفل بكثرة (مثل الصالة) دون إخطار الطفل أولا. ذلك من شأنه أن يساعد الطفل في الشعور بالأمان أثناء التنقل والحركة في البيت ويمكنه من الاعتماد أكثر على نفسه.
٢- دائما نبه طفلك لوجودك عندما تكون مع طفلك الكفيف في نفس المكان. إذا كان لديك أطفال آخرين، درّبهم على فعل ذات الشيء.
٣- قم بخلق فرص تعليمية تطبيقية بحيث يتسنى للطفل الكفيف أن يمارس ما يتعلمه، بدلا من أن تفترض أن طفلك سوف يتعلم الأمور العملية من خلال حاسة البصر.
٤- تحدث بشكل واضح عن احتياجات طفلك عند تدريسه أو التحاور معه. اجعل إعاقته أمرا طبيعيا لا يجلب الخجل، وأخبره بانها (أي الإعاقة) جزء من هويته.
٥- عوِّد طفلك على أن يتحدث وبصوت مسموع عند المطالبة بحقوقه وعند المطالبة بتلبية احتياجاته كطفل فاقد للبصر؛ علي سبيل المثال، عند مناشدة إخوته أن يقوموا بوصف صورٍ معينه أو عندما يطلب من أحد أفراد العائلة أن يحدد موقع شيء ما بدقة.
٦- الاعتراف بوجود اختلافات في القدرات باستخدام لغة وصفية محايدة، عوضا عن استخدام لغة الصواب والخطأ. مثلا،استخدم كلمات مثل “طريقتي” و “طريقتك” بدلا من ” الطريقة الصحيحة” و “الطريقة الخاطئة”. مثال، (من الممكن أن تقول ” أنا أقراء الكتاب عن طريق النظر وأنت تقرأ نفس الكتاب, بطريقة برايل, عن طريق اللمس”.
المطالبة بحقوق ابنك في المجتمع
يتحتم على الوالدين أن يلعبا دورا فعالاً في بناء مجتمع متقبل ومشجع وداعم لأبنائهم من ذوي الإعاقة البصرية.
صورة لثلاثة أطفال يجلسون معًا على تل عشبي.
– التواصل الدائم مع المدرسة والمشاركة الفاعلة في المجتمع تساعد في أن يحصل الطفل الكفيف على الاهتمام الذي يحتاجه، مما يجعله (أي الطفل) مشاركا فاعلاً.
– ساعد أبنك الكفيف على خوض تجارب ونشاطات جديدة تسهم في زيادة محصوله المعرفي عن العالم وتساعده على التواصل بشكل أكثر فاعلية مع أقرانه، من خلال مناقشة هذه التجارب والنشاطات الجديدة. عند استكشاف ابنك لنشاط جديد أو مكان جديد، احرص على تقديم وصف لفضي دقيق له؛ حتى يساعده على اكتساب اللغة التي تمكنه من التحدث عن هذه التجربة الجديدة.
– أعدّ العدَّة لأن تكون مرجعا للمعلمين والمدربين وغيرهم ممن يتعاملون مع طفلك إذا أرادوا أن يعرفوا أكثر عن كيفية التعامل مع طفلك وكيفية مساعدته بشكل أفضل. جزء من هذه المهمة يتطلب مساعدة هؤلاء المربين على تدريب الأطفال الآخرين في الحضانة أو المدرسة على كيفية التواصل مع طفلك الكفيف وإدماجه في الأنشطة.
– ساعد وشجع طفلك على مقابلة والترحيب بالناس الجدد، سواء كان ذلك في المنزل أو خارجه. تذكر أن طريقة تعاملك مع ابنك وطريقة مساعدتك له ستكون النموذج الذي سيحتذي به الأشخاص الذين يقابلون ابنك لأول مرة. وضح لهم طريقة التعامل مع طفلك من خلال إعطاء ابنك وصفا لفضيا دقيقا للمكان المحيط، أخباره عن الأشخاص الموجودين وأماكن وجودهم في الغرفة، وكذلك أطلب من الحاضرين أن يذكروا أسمائهم قبل أن يتحدثوا مع الطفل.
– عندما يكون الموضوع ذو صلة، لا تتردد في ذكر إعاقة ابنك أو احتياجاته ككفيف؛ فهذا جزء من هويته وحقيقة لا تدعوا إلى الخجل على الإطلاق. ممارسة هذه التصرفات والسلوكيات داخل وخارج المنزل يساعد على جعل الآخرين يتصرفون بذات الطريقة، مما يسهم في رفع مستوى الوعي وتقبل الاختلاف في المجتمع.
– احرص على أن تكون عضوا في المنظمات الحقوقية التي تطالب بحقوق المعاقين على الصعيدين السياسي والاجتماعي.
– أنظم الى مجاميع ” آباء وأمهات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة” لمشاركة الأفكار ولتقديم الدعم النفسي والمعنوي.
المساعدة في تطوير قدرة الابن في الاعتماد على الذات
لقد عملت جاهداَ على خلق بيئة منزلية ومجتمعية داعمة ومشجعة لابنك. للأسف، فإن الواقع أننا نعيش في عالم ليس مصمما لذوي الإعاقة البصرية. في نهاية المطاف، لا بد لابنك من أن يتعرض لسلوكيات غير مقبولة من قبل الآخرين. لذلك، لزام عليك أن تعمل جاهدا أن يمتلك أبنك الأدوات التي تمكنه من المطالبة بحقوقه والأدوات التي تخوله التحكم بالمشاعر السلبية التي قد تنشأ جراء مواجهة مثل هذه التحديات.
صورة أحد الوالدين يساعد طفلًا على غسل أيديهم في حوض المطبخ.
١- مارس روتين العناية بالجسم والروتين المنزلي مع طفلك إلى أن يتمكن من أداء هذه المهام بنفسه ومن دون مساعدة.
٢- نبه طفلك عندما تقوم بالقراءة أو الكتابة (حتى عند قراءة أو كتابة قائمة الأغراض التي تريد شراءها) لكي يدركوا أهمية القراءة والكتابة في الحياة اليومية.
٣- أمنحه الثقة وقم بتكليفه بإداء بعض المهام المنزلية كإخوته. قم بتدريبه باستخدام توجيهات لفضية وممارسة عملية في كيفية أداء هذه المهام. كن منفتح الذهن وكن منفتحا على طرق جديدة في أداء هذه المهام المنزلية – لأنك ربما تتفاجأ بطريقة تعلمه لمهارة جديدة.
٤- عند تقديم أشياء جديدة للطفل، احرص على تحفيز أكبر قدر من الحواس لديه؛ قدم له وصف لفضي وشجعه على استخدام يديه للمس؛ على سبيل المثال، عندما تذهب مع أبنك للسوق لشراء ملابس جديدة، لا تكتفي بالوصف فقط؛ بل أذكر له أسم القماش ونوعه؛ ودعه يتحسس القماش بيده؛ بينما تقوم أنت بوصف التصميم والون. .
٥- عندما تخرج من المنزل مع طفلك، شجعه على بناء مهارات الاعتماد على النفس؛ مثلا دعه يتحدث مع المحاسب(الكاشير)، أسمح له بإن يطلب طعامه بنفسه في المطعم، …. إلخ.
عندما تنشئ أبنك على أن يكون ذو كفاءة وأهلية وتساعده على فهم العالم من حوله، فإنك تجعله أقوى وأكثر قدرة على مواجهة التحديات أيا كانت. إن هذه النصائح مفيدة لمن يقوم على رعاية الأطفال بشكل عام؛، ولكنها مهمة بالأخص لمن يقومون على رعاية الأطفال من ذوي الإعاقة البصرية. أنت، كشخص يقوم على رعاية طفل كفيف؛ تعتبر أهم عنصر في منظومة الدعم والرعاية لهذا الطفل.