حدود الحروف
تحدّثتُ في مقالي السابق “عالجتني الحروف” عن قوّة اللغة ووضع الأشياء في قالب الكلمات كي يسهل التعامل معها..
ولكن..
ما مدى قوّة اللغة؟ وهل وضع كلّ شيء في قالب الكلمات له سلبيّاته؟
حين نتأمّل الأطفال، نجد أنّهم ينظرون إلى العالم من حولهم من غير حدود..
كلّ شيء يبدو هيولياني ومندمج ببعضه حتى يبدأ الطفل بتلمّس كلّ شيء ويتميّز العالم من حوله بعد ذلك..
من الأمور التي تحصل أيضاً لتمييز العالم هو تعليم الطفل الكلمات..
حين يعلم أنّ ما يراه كأساً، يبدأ الآن بتمييز الكأس عن الطاولة ويضع خصائص الكأس تحت ذلك المسمّى والتي منها أنّه قابل للكسر أيضاً إن كان كأساً زجاجيّاً..
ذلك أمرٌ جيّد.. ولكن مع الأسف هناك أمرٌ سلبي يأتي معه ككلّ أمر في الحياة..
قبل أن تتعلّم الكلمات والخصائص المعروفة لكلّ كلمة، ككلمة القمر مثلاً، كنتَ ترى تلك الكرة البيضاء المشعّة في السماء التي تلحق بك أينما ذهبت وتظنّها تلاحقك أنت فقط وتبدأ بالعراك مع أصدقائك حيث كلّ شخص منكم يظن أنّها تلحقه هو فقط..
كان شعوراً جميلاً حينها.. إلى أن جاءت الكلمات وحدّدت ذلك الشيء باسم وخصائص محدّدة جعلت منهُ أمراً عاديّاً..
قد يكون ذلك المثال هزيلاً إذا ما نظرنا إليه من زوايا متعددة..
ولكن..
ماذا عن الموسيقى؟
هل تستطيع الكلمات أن تصف الموسيقى؟
حين نقول أنّ ذلك اللحن الحزين رائع..
ماذا نقصد برائع؟؟
نحن نعلم في أعماقنا بأنّ لكلّ لحن نسمعه مشاعر نشعر بها وعواطف تعصف بنا..
“تعجز الكلمات عن الوصف”
عبارة صحيحة مئة بالمئة..
قد لا نستطيع وصف شيء معيّن لقلة المخزون اللغوي لدينا.. لكن بعض الجمالات لا تستطيع اللغة أن تصل إليها بكلّ مخزونها..
إليكم الحالة الروحانية مثالاً..
الخشوع..
ما هو الخشوع؟
وأين تذهب حين تخشع بالعبادة؟
اللغة لا تستطيع..
فللحروف حدود..
.
.
.
حسين العوفي
@HussainAloufi