خرف
قبل عدة أشهر، شاهدتُ فيلم “The Father” الذي تمّ عرضه في صالات السينما في نهاية عام الجائحة.. لقد كنتُ متحمّساً جدّاً لرؤية ذلك الفيلم بسبب اهتمامي بموضوعه حتى اضطررتُ إلى أن أسهر ذلك اليوم ليتسنّى لي مشاهدته في وقت عرضه في سينما موفي في مجمّع الظهران الساعة الثانية والنّصف بعد منتصف الليل.. كنتُ سعيداً (وحزيناً أيضاً) بأنّي لم أفوّت مشاهدته.. يبدو أنّ مقالي اليوم سوف يكون توصية لمشاهدة الفيلم..
على أيّة حال، لماذا كنتُ مهتمّاً بمشاهدة الفيلم؟
حسناً، لنعد إلى الوراء قليلاً..
قبل ستة أعوام تقريباً، بدأ مرض الخرف يتسلّل تدريجيّاً إلى شخصٍ عزيزٍ جدّاً على قلبي..
كان شعور مؤلم جدّاً.. أن أراهُ على تلك الحالة بعد انقطاعي عنه لسنين طويلة بسبب الدراسة في الخارج.. شعرتُ بندم شديد لعدم تواصلي معه بشكلٍ كافي..
لم أكن ما أصبحته لولا وجوده في حياتي بعد عناية رب العالمين..
ولعلّه لا يتذكّر ذلك الآن أيضاً..
فقد سرق الخرف الكثير..
يسأل عن الحدث أكثر من مرة..
ينسى أين كنتُ ولماذا جئت..
يعتب كثيراً عن عدم زيارة بعض أحبّائه له والذين كانوا عنده للتّو..
شعور مؤلم..
لقد بدا وكأنّ هناك قوى شريرة تسلب منه ذكرياته وكلّ ما هو تدريجيّاً في غفلةٍ منه..
حتى يصل الآن بعد تلك الأعوام من تآكل ذاكرته إلى السؤال عن أين ذهبت والدته (المتوفّاة منذ عقود)..
لماذا الفيلم إذاً؟
علمتُ من مراجعة رأيتها على اليوتيوب على قناة ماهر موصلي كان يتحدّث فيها عن ميزة هذا الفيلم عن باقي الأفلام التي تتحدّث عن الخرف لأنه يعرضها من منظور المريض نفسه..
معظم الأفلام التي رأيتها عن الخرف والزهايمر تجدها تتحدث من منظور أهل المريض أو معاناة المريض من منظور خارجي، بينما أردتُ أن أشعر بما يمرّ به العزيز على قلبي ولو بشكلٍ غير مباشرة..
وهكذا كان..
كان الفيلم رائعًا جدّاً في توصيل مشاعر مريض الخرف بتفاصيل دقيقة.. الإخراج والحبكة والتمثيل جعلوني أشعر وكأنّي مريض خرف بالفعل أثناء مشاهدته..
كنتُ سعيداً لأنّي ضحّيتُ بوقت نومي لمشاهدته.. وكنتُ حزيناً على المشاعر التي شعرتُ بها بعد تلبّسي ما يمرّ به المريض.. شعرتُ بجزء ولو كان بسيطاً من المعاناة التي يمرّ بها ذلك الشخص العزيز على قلبي..
أهناك أيّ حلّ لهذا المرض الخبيث؟ هل اضمحلال كلّ شيء في عقل من يصيبه أمر محتوم؟
الحمدلله.. ليس بالضرورة..
وسّعتُ اطّلاعي بعد ذلك حتى تعلّمتُ أنّ الخرف حين يصيب الانسان لا يزيل الذكريات القديمة، بل يبدأ بأحدث الذكريات ثمّ ينخر في عقل الانسان ليزيل الذكريات الأقدم فالأقدم..
وتعلّمتُ أيضاً أنّ ما يزيله الخرف من ذكريات لا يمكن عودتها، ولكن يمكننا المحافظة على ما تبقّى بالعلاجات..
إذاً الحل هو زيارة الطبيب مباشرةً في حين ملاحظة أعراض الخرف فور ظهورها على من نحب..
أختم مقالي باقتباس من استشاري الطب النفسي الدكتور طارق الحبيب والذي تعلّمتُ منه هذه المعلومات في هذا المجال..
قال عن المسارعة إلى زيارة الطبيب عند ظهور أيّة أعراض للخرف: “وهذا من البِر”..
نسأل الله السلامة والعافية لنا ولكلّ من نحب وأن يحفظنا ويحفظهم من كلّ مرضٍ وشر..
.
.
.
حسين العوفي
@HussainAloufi
مصادر
أ.د #طارق_الحبيب | الخرف #نفوس_مطمئنة 3
مراجعة فلم The Father
https://www.youtube.com/watch?v=IjeXsHTn7mI&ab_channel=MaherMosly