الاحتراق الوظيفي
تحدّثتُ في مقال الأسبوع الماضي “مماطلة الانتقام من النوم” عن قصة خالد الذي كان ينهك نفسه بأعمال كثيرة خلال يومه حتى لم يعد يستطيع التحكّم بوقته فوقع في حالة مماطلة الانتقام من النّوم..
من الجدير بالذكر أنّ خالد كان يستمتع بكلّ ما يقوم به قبل عدة أشهر من تلك الحالة..
كان حلمه أن يحصل على البعثة ليدرس الهندسة الكهربائية في بوسطن.. وقد حصل..
ثم اكتشف شغفه بالموسيقى فالتحق بدورة تعلّم البيانو..
ثمّ التقى بمدرّبه من إحدى حصص الموسيقى وقد أقنعه بالالتزام بحضور النّادي الرياضي والذي أصبح يستمتع به أيضاً..
وبعد عدّة أشهر.. أصبح كلّ ذلك مجرّد التزامات ومهام يومية يقوم بها خالد لينهي يومه دون أن يلوم نفسه لتفويت أيٍّ منها..
وبعد عدّة أسابيع.. أصبح خالد ينسى كثيراً حتى أنّ يومه يمر دون أن يتذكّر ما فعله في أمسه..
أصبحت حياته ميكانيكية ينجز فيها قائمة مهام لا روح فيها..
وبعد عدّة أيّام من وقوعه في “مماطلة الانتقام من النوم”، بدأ خالد يشعر بوخزات مؤلمة في صدره وكتفه لا يعلم ما مصدرها.. وبعد تكرار ذلك الألم واشتداده رأى من الضروري أن يأخذ إجازة مرضية من الجامعة وكلّ نشاطاته كي يتابع حالته..
لم يكن واضحاً عند الأطّباء ما مصدر ذلك الألم الذي يشعر به خالد..
وبعد عدّة زيارات للأطبّاء دون فائدة، شعر خالد باليأس واكتفى بالجلوس في المنزل محبوساً في قفص أفكاره..
بدأت التّساؤلات تنهال عليه في تلك الليالي:
لماذا أشعر بهذه الوخزات الغريبة؟
لماذا أشعر بأن لا فائدة من أي شيء أفعله؟
أشعر بالتشويش وضعف الإدراك.. لم أكن كذلك من قبل.. ما الذي حصل لي؟
استمرّ سيل الأسئلة ينهار على عقل خالد حتى صار يتساءل عن مدى صحّة الطريق الذي يمضي فيه..
هل يريد أن يستمر في الجامعة؟ لم يعد يشعر بأنّ هذا التخصص هو الطريق المناسب له..
لماذا يستمر في البيانو؟ إنّه مضيعة للوقت على أيّة حال..
لم يستطع خالد تمالك نفسه في تلك اللحظة حتى سقطت الدموع الساخنة على وجنتيه..
وبعد برهة من البكاء..
يتّصل به صديقه يوسف من السعودية ليسأل عن أحواله، فقد مضت مدة طويلة على تواصلهما الأخير..
يبدأ خالد بسرد ما مرّ به ليوسف حتى يقنعه يوسف بأن يؤجل البعثة لبقية الفصل الدراسي ويعود إلى أهله لفترة حتى يستعيد قوّته ويقرّر ما يفعله بخياراته المستقبلية بعد ذلك..
وهكذا كان.. عاد خالد إلى أهله وبقي في السعودية شهرين بقية الفصل الدراسي، ثمّ عادت إليه قوّته وعاد إلى حياته الطبيعية والسعي وراء أحلامه..
.
.
ما الذي حصل هنا؟
لقد أصاب خالد ما يُسمّى بالاحتراق الوظيفي “Burnout” وهو ما جعله يمرّ بما مرّ به..
حين يُجهد الانسان نفسه بشكل متواصل دون أن يُعطي لنفسه وروحه وجسده وحياته التوازن الذي يستحقه، تبدأ سلسلة من الأعراض النفسية والجسدية بالظهور حتى تنذر الانسان برغبة جسده وعقله بالراحة..
يبدأ الشعور بالتشويش وضعف الادراك بالظهور..
يفقد الانسان شهيّته على الطعام أو العكس..
يبدأ بالانسحاب إجتماعياً بشكل تدريجي..
يبدأ بالتساؤل عن صحّة الطريق ويفقد لذة الهوايات..
وبعد ذلك، يبدأ الجسد أخيراً بإرسال رسائل للإنسان بأنواع مختلفة من الآلام علّه يعي أنّ لجسده عليه حق..
ذلك هو الاحتراق الوظيفي..
.
.
حين تعطي كلّ جانب في حياتك حقّه، تجد الرضا، والذي هو أكبر عامل مضاد للإصابة بالاحتراق الوظيفي..
ولكي نصل إلى الرضا في يومنا، علينا وضع هدف واحد أساسي لهذا اليوم..
بحيث إذا لم نحقّق أي شيء في يومنا سواه، سنظل نشعر بالرضا..
كما أنّ الإنجاز في الحياة العلمية والعملية مهم، كذلك الصحة الجسدية والنّفسية مهمّة أيضاً..
كما أنّ السعي المتواصل وراء الأحلام مهم، كذلك الصورة الكبيرة للأمور..
كما أنّ الانشغال في طريق النّجاح مهم، كذلك الحياة الاجتماعية الصحيّة أمرٌ جوهري للاستمرار..
اللهم ارزقنا توازن الروح والجسد وبلّغ فيما يرضيك آمالنا يا مولانا يا كريم..
.
.
.
حسين العوفي
@HussainAloufi
مصادر:
https://en.wikipedia.org/wiki/Bedtime_procrastination
https://www.mayoclinic.org/ar/healthy-lifestyle/adult-health/in-depth/burnout/art-20046642