لبرهه بسيطة حاولت الصمت عن الجدال الذي بدى مع الوقت في أن يصبح أبديًا؛ فهو لا ينتهي ولا يصل في آخره لقناعة تامة من أحد طرفي الجدال. فلا تعلو فيه الأصوات فقط، بل تتشنج فيه القناعات؛ فهو جدالٌ لا تحده حدود بقدر ما أنه نشأ بين قطبين متنافرين أحدها تشدد لترسيخ قناعة أو رأي والآخر تشدد أيضًا لكسره أو لكبح جماحه. وأثناء ذلك عينُ الحال المحايدة تشهد اختلافًا أبطاله بحقبة زمنية واحده، لكن واقع منظورهما للأمور يبرهن أنهما من عالمين مختلفين كل عالم من عوالمهما يغوص في تناقضٍ جلي ظهر فيه حجم التباين في اهتماماتهما، والتغيُّر في أولوياتهما، والتجدد المتسارع في تفضيلاتهما، والانحياز العميق لأفكارهما.
ففي شأن نشأنا الحالي، فثقافة العيب وما يصح وما لا يصح التي كانت أساسًا للتعامل سابقًا بين الكبار والصغار باتت الآن لا تشكل أولوية تعامل بينهما ولا تولَّي أدنى اهتمام، فهي لا تحركها إلّا اللامبالاة في التواصل؛ لذا فالكل سواسيه في التواصل معهم كبارًا كانوا أو صغارًا. حتى ما يجب أن يقال ومتى لا يجب قوله ولا يصح الخوض فيه ولمن توجِّه حديثك وكيف تزِنه قبل النطق به كلها تفاصيل لم تعد تشغلهم؛ فالأحاديث بالنسبة لهم تجري ببساطة تامة مع الجميع. وقياس ما يوافق أعمارهم وما لا يلائمها لا يؤمنون به، بل هو بمنظورهم قيدًا عظيمًا يستنقص من قدراتهم التي يرون بأنها تعدَّت الحد الذي يعتقد الآخرون بأنه يلائم أعمارهم. وإضافةً إلى ذلك، لإثبات التمرد على الذات قبل الآخرين، الإصرار على الخطأ أو الرأي المناقض للآخرين إمِّا ايمانًا بصحته أو عنادًا لمن برهن لهم عكس ظنونهم. فالتمسك بالفكر المغاير رغم الايمان بشذوذه لم يكن إلّا ثورة على من بظنهم أنَّه يعيش ركودًا فكريًا.
في الحقيقة، الجدال المتكرر لنفس الموضوعات لن ينتهي كما العلاقة التي تربطنا بهم؛ لذلك راعِ عمق الفجوة التي عمَّقتها بينكم السنين؛ فلا تكسر حبل الحوار ولا تستنقص من أي قناعه ولا تسفه الرأي المخالف. وللوصول لحل يرضي قناعة الطرفين؛ فالقبول المبدئي للاختلاف يساعد على دحض أي فتنة ستقود متانة العلاقة للخلاف. ولتتقارب وجهات النظر قد تكون خطة العبور لأنصاف القناعات حلًا بسيطًا يكسب فيه كلا الطرفين ثقة الآخر؛ فهو حلًا قد يجعل حيز الحوار مفتوحًا لا هو تشددي لقناعة الآخر ولا هوا اقصائي لقناعاتهم. فالإيمان بوجود فجوة كبيرة جعلت من المفاهيم والافكار بيننا وبين مراهقينا مختلفة جدًا؛ ستختصر علينا عمرًا كاملًا من الجدال معهم على ما يرونه حقًا وما نراه صائبًا.
لذلك ابنِ معهم لبنة تقارب معرفي .. ولا تهدمها بتسفيه ما يؤمنون بأنه صلبًا يستطيعون البناء عليه.
هاجر هوساي
HajarHawsawi@