لكلّ غاية سبب نبيل.. وسبب حقيقي
ذكرتُ في مقالي السابق “الإخلاص في الحب.. معجزة” أنّه من الإخلاص في الحب أن نفعل أشياء كثيرة من أجل المحبوب.. ولكن هناك قلّة قليلة إخلاصها.. معجزة..
ولكن.. ما كان ينقص المقال وقد تنبّه بعض أحبّائي لذلك هو.. السّبب..
أحدهم قال:
ماذا عن الالتزام؟ أليس الإخلاص في الزواج قد يكونُ التزاماً أكثر ممّا هو حب؟
وقال آخر:
وماذا عن الخوف؟ أليس بعض الإخلاص “المعجزة” يكون منبعه خوفاً من المستقبل؟
وأنا أقول بشكلٍ أعم:
هل فعلاً كلّ إخلاص يكون منبعه “الحب”؟
أعرفُ شخصاً كان يلوح اسمه حين يُذكر “الإخلاص” في مدرستنا الثانوية آنذاك.. لا ينفك عن مساعدة جميع أصدقائه دراسيّاً كلّما سنحت له الفرصة.. كان كلّما حصل على “ملخّصات” من أحد دروسه الخصوصية يعطي جميع أصدقائه نسخ من تلك الدروس..
ولكن.. حصل بيني وبين ذلك الشخص لقاء مؤخراً وقد تحدّثنا عن تلك الفترة من حياتنا حتى أُفاجأ باعترافه:
– ما كنت أسوي هالأمور لأني كفو وراعي فزعة مثل ما كنتوا تتوقّعوا يا حسين.. بكلّ صراحة اكتشفت بعدها أنّ ثقتي بنفسي كانت ضعيفة جدّاً وكنت أحاول أحصل على قبول اجتماعي أكثر ممّا أنّي كنت مخلص.. لكنّي تعلّمت الدرس بطريقة قاسية.
بغض النظر عن “الطريقة القاسية” التي تعلّم منها الدرس والتي قد أخصّص لها مقالاً في المستقبل لارتباط الكثير منّا بعبرة تلك القصة، لقد رأينا كيف أنّ في هذه الحالة كان لدى ذلك الشخص سببين لإخلاصه: سببٌ نبيل (راعي فزعة وإن كان سبباً ظاهراً فقط) وسببٌ حقيقي (مِلء ذلك الضعف).
“A man always has two reasons for doing anything: a good reason and the real reason.”
“لكلّ شخص سببين لفعل أيّ شيء: سبب جيد وسبب حقيقي”
الممول المصرفي الأمريكي الشهير في وول ستريت Pierpont Morgan
.
.
.
نستطيع الذهاب إلى ما هو أبعد من “الحب ليس بالضرورة سبباً للإخلاص”.. ضربتُ أيضأً مثالاً سريعاً في مقالي السابق عن “طبيبة تترك عملها وتتطوّع في إحدى المنظّمات الإنسانيّة”.
لدى تلك الطبيبة سببين في عملها الخيري:
سببها النبيل في مساعدة الحالات الأكثر حاجة للمساعدة.. وسببها “الأناني” على حدّ تعبيرها بتحقيق وصيّة والدتها المتوفّاة.. ففي نظرها هي لا تفعل ذلك إلا من أجل تلك الأمنية..
إلى آخره من الأمثلة الكثيرة لأهداف كبيرة أو ممارسات يوميّة نقوم بها لسبب جيد أو نبيل وسبب حقيقي.. ليس بالضرورة أن يكون الهدف الحقيقي سيّئاً.. ولكن من الرّائع أن يكون الإنسان ملمّاً بخفايا نفسه.. حتى نكون أكثر تحكّماً بأفعالنا.. وحتّى نكون أكثر وعياً.. والأهم حتى نكون أكثر تصالحاً مع ذواتنا..
إذاً.. الانسان أكثر تعقيداً من أن نختزل أفعاله وغاياته في سببٍ واحد..
آخر ما يمكن أن أدليه في هذا الموضوع هو متابعة النّفس.. حين أتتبّع نفسي وأمحّص مبتغاها من الأمور التي أسعى لها.. تقلّ الفجوة بين “السبب النبيل” و”السبب الحقيقي” ويصبح قلبي كالمرآة يعكس ما أريد حقّاً ويدخلني في طمأنينة عجيبة لا أتمنى الانفكاك عنها..
ولكن سرعان ما تبهت تلك الحالة بانشغالي في الحياة وتلوّث القلب من حينٍ لآخر بشوائب الدنيا..
الخبر الجميل هو أنّي لا زلتُ على قيد الحياة، مما يجعلني أستمر في ملاحقة تلك الحالة كلّما خفت نورها الساطع في سماء قلبي.. ففي النّهاية.. أليس جميعنا يبحث عن السّلام الداخلي؟
اللهم اجعلنا من أصحاب تلك القلوب المطمئنة بك والمطمئنة بذواتها يا مولانا يا كريم..
.
.
.
حسين العوفي
@HussainAloufi
التعليقات 1
Ayman samir
23/01/2021 في 7:20 ص[-7] رابط التعليق
جميل جدا
ربنا يوفقك وفي تقدم مستمر انشاء اللة