في جلسة هادئة مع النفس والفكر، بالعامية ”وأنت مروِّق بالك بتشرب كوب قهوتك أو أي مشروب بتفضله ساخن كان أو بارد “. فيأخذك التفكير إلى أمانيك البعيدة لتتحول بعدها لحظات صفاء الذهن لدقائق يشرد فيها الفكر في الحالة التي أصبح عليها وما كان يطمح للوصول إليه. لحظات يتبدل بها المزاج وتختلف فيها الملامح مما قد تجعل من الفرد هدفًا ثمينًا لمقتنص حالته الذهنية التي باتت جليه على مُحيَّاه مع الوقت.
هذه الحالة التي يصل لها المرء والتي قد تكون معروفة لدى المقربين منه هي ما يقتنصها تاجر الوهم الذي قد يكون وللأسف قريبًا أو صديقًا؛ فالنسبة لتاجر الوهم تلك فرصة انهزامية لا تعوض فيبدأ أولًا بمرحلة الاستدراج التي تكون تودُدِيَّة بالدرجة الأولى وذلك باختراق لاوعي ضحيته التي يستهل فيها بالسؤال عن الآمال الماضية، والحاضر الذي تعيشه، وما خططت له مستقبلًا وهل بدأت تسير في خطوات تأمين مستقبلك وتحقيق آمالك. فتغوص معه تلقائيًا في بحور أحلامك ثم بحور الكلام الربحي المعسول الذي قام في المقابل بتحقيقه؛ فيحدثك عن سهولة توفر الأموال وأهميتها في وقتنا الحاضر وإمكانياتها في تحقيق أهدافنا المؤجلة. ثم ليتطور الحوار للحديث عن التقنية الحديثة والإنترنت وعن التجارة وحرية الفرد فيها وتحولها هذه السنوات الأخيرة بشكل إلكتروني مذهل يوفر عليك جهد سنين ويسهل لك الطريق للوصول لأكبر عدد من المستهلكين. كلمات مُنمَّقه ذات تأثير كبير تم انتقائها لشد انتباه المُستمع الذي يحاول أن يستوعب في صمت كبير كمية الإغراء الذي تحمله الكلمات.
وبعد مراقبة شغف العيون وطلبها لمعرفة تفاصيل أكثر يبدأ تاجر الوهم بالدخول للمرحلة التالية والتي تتلخص في العزف على وتر الدخل الشهري المحدود وتذكير المُستمع الذي سيغدو الضحية التالية بمستواه المعيشي، وحاجته الماسة لتنويع مصادر دخله وتطوير ذلك بسُبل أكثر راحة وسهولة من غير أن يؤثر ذلك على دخله الثابت. فيسهب بوصف الفكرة وتبسيطها على النحو الذي يلائم استيعاب المستمع وتجميلها متلاعبًا بالمرادفات التحفيزية، على سبيل المثال: “أنت تحمل أو تحملين هيئة رجل أو أمرأة أعمال”. وبعد الضغط على زناد الراتب الشهري ينتقل لعامل الإغراء بالأرباح اللامنطقية التي سيجنيها بشكل اسبوعي؛ فكلما كان نشيطًا في تسويق البضائع التي سيتولى بيعها إلكترونيًا كلما أصبح دخله مرتفعًا أسبوعيًا بغض النظر عن السعر الفعلي للمبيعات. وبالإضافة على ذلك، فكلما استقطب مجموعة جديدة كلما تضاعفت ارباحه أكثر من ذي قبل.
وعندما تنتهي سكرة الاستماع للفرصة المعروضة ويبدأ المستمع بإعمال عقله بطرح الأسئلة والاستفسارات؛ فتبدأ المرحلة الآخيرة والتي تظهر فيها الملامح الحقيقة لمدعين فرصة العمر ويبدأ بالإجابة بردود مجهزة مسبقًا بشكل منطقي لكن بأسلوب تضليلي يتعمد فيه ابعاد المُستمع عن الجواب الصحيح للسؤال الصريح الذي إجابته لا تحمل أي لف أو دوران في الإجابة. ليأخذه من صلب السؤال لقصص الآخرين وتجاربهم وعدد السنوات التي أمضوها معهم، وكيف كانوا سابقًا وكيف أصبحوا بعد سنوات من الإنضمام لنفس الشركة أو المصنع. فإن كان المُستمع حذِقًا وأكثر نباههً منه فلا يجد الآخر سبيلًا إلَّا سبيل التقليل من الشهادة التي حصل عليها المُستمع أو التي يسعى لها ثم تذكيره بنسب البطالة المتزايدة في جميع التخصصات حتى المهم منها؛ ويردد مرارًا وتكرارًا أن سعيه وإجتهاده لا نفع منه إلّا في هذه الفرصة التي يعرضها له….الخ.
وبالأخير يجد المُستمع نفسه قد أضاع ساعة الصفاء مع الذات سُدى؛ ويجد الآخر نفسه أمام تحدٍ في الإلحاح، والدق على ناقوس الحاجة أحد أهم أدواته التي سيطرق بها على ذاكرة المُستمع كلما صادفه فجأة أو بترتيب مُسبق. ولن تنتهي الحكاية على هذا الحد؛ بل كما سعى لاقتناص هذه الضحية سيسعى أيضًا لاقتناص اخرى وهكذا إلى أن يجد ساذجًا يتوق للإنضمام لهم ثم بعد ذلك تبدأ رحلته هو الآخر في عالم التضليل والوهم وذلك أيضًا بإعادة تدوير المأساة مع اشخاص آخريين.
لذلك حتى لا تقع في الفخ وتكون الضحية التالية التي سيتغذى عليها رأس الهرم المجهول؛ اسأل بعض الأسئلة لتقطع شك الاحتيال بيقين النصب:
– من هو المالك أو مدير الشركة أو المصنع كما يدَّعون؟
– من هو المدير التنفيذي لها؟
– هل هو نشاط تجاري معترف به أو مرخص داخل الدولة؟
– هل هناك موقع رسمي لهم أو مكاتب خاصة بهم أو موقع موثق على مواقع التواصل الاجتماعي؟
– هل هناك سجل تجاري إلكتروني؟
– هل هناك عقد ستوقعه لضمان حقوق الطرفين لاحقًا؟
– هل تتم الاجتماعات في موقع الشركة الرسمي بعيدًا عن الكافيهات وبيوت المنضمين للشركة؟
– هل أنت ملزم باستقطاب آخرين كل فترة من انضمامك؟
فإن لم يملك اجابة واضحة وافيه لسؤال واحد على الأقل من مجموع هذه الأسئلة المذكورة آنفًا “هي بالحقيقة ليست شاملة أو معيارًا يُعمل به لكنها تزيل شيئًا من الشك”؛ فأنت حتمًا الطعم الذي يصطاد به الصياد سمكاته الذهبية ليبقى شامخًا على رأس الهرم.
هاجر هوساوي
HajarHawsawi@