عنوان المقال عجز بيت من قصيدة لأبي فراس الحمداني أصبح مثلاً سائراً ، حيث يقول : “سيذكرني قومي إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر”
البدر الذي أتحدث عنه في مقالي هذا هو المعلم ، صانع العقول ، ومربي الأجيال .
لا يستطيع أحد أن ينكر ما تعرض له المعلم خلال عقدين أو أكثر من الزمان من ضغوطات هائلة أثرت على أدائه و نفسيته ودخله ، وأنعكست سلبا على مستوى طلابه.
لقد رأينا الإعلام في السنوات الماضية كيف كان يتصيد بعض الأخطاء الفردية التي لا يخلو منها أي ميدان عمل
، وكان يضخم الخطأ الفردي و يعممه على مئات الآلاف من المعلمين، و يجعله الأصل وليس الاستثناء .
هذا التناول غير البرئ شحن كثيراً من الناس ضد المعلم ، فوجدوا في ذلك مرتعا خصبا -لكنه وخيم- للتندر والتاليب والنيل من المعلم ؛ فاتسعت الفجوة بين المعلم و مجتمعه مع مرور الوقت و توترت العلاقة بين المعلمين و الطلاب ، حتى غدا الطالب ندَّا للمعلم ، محتقرا له ، لا يقبل نصحاّ ، ولا يستفيد علما ، فانحدر المستوى العلمي و تدهور الجانب التربوي .
كل هذا على مرأى و مسمع الوزارة التي لم تساند المعلم ، بل انحازت بشكل غير مدروس وغير مفهوم ضد المعلم .
من جانب آخر لم يسلم راتب المعلم من الافتراس ايضاً ، فأصبح راتبه معادلاً لراتب أصغر موظف في الدولة ، و بدون احتساب لمدة خدمته ، بسبب بند ١٠٥ المشؤوم الذي لا يزال الكثير من المعلمين يعاني تبعاته إلى الآن.
زد على ذلك كثيراً من البرامج و الأعمال التي تستهلك جهد المعلم ووقته وهي ليست من صميم عمله ، وليس لها فائدة تذكر بدليل إلغائها فيما بعد.
فضلا عن بيئة مدرسية غير ملائمة ، حيث اكتظت الفصول بالطلاب ووصل العدد في بعض الأحيان الى خمسين طالب في الفصل ، و مدارس مستأجرة يحول فيها المطبخ الى فصل.
ماسبق غيض من فيض المعاناة التي يعيشها المعلم ، ولا يمكن تناول كل مشكلات المعلم في مقال واحد ، ولكن يكفيك من القلادة ما أحاط بالعنق .
ما علاقة كل ما سبق بعنوان المقال؟
ولد العام الدراسي الجديد مشوهاً لا فصول ولا معلمين ، ولا تفاعل داخل الصف ، ولا علاقات مع زملاء الدراسة ولا انضباط في الحضور والانصراف ….
في زمن الكورونا المظلم ستظهر أهميه المعلم ، سيعرف الجميع طلاباً و أولياء أمور الدور الكبير و الجهد الجبار الذي يقوم به المعلم ، سيظهر جليا الدور العظيم للمعلم تعليماً وتربية – وكما يقال (( التجربة أكبر برهان ))
لعل في المحن منح .
إني على ثقة أن أكثر الناس سيعيد النظر في موقفه من المعلمين ، وسيمنحهم مكانتهم اللائقة ، وسيعف لسانه عن النيل منهم و سيعمل على تغيير سلوك أبنائه تجاه معلميهم.
و قد آن للمعلم أن يقول :
سيذكرني قومي إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر .