تاهت به دروب الشبكة العنكبوتية؛ فضَلّت خُطاه إلى أوضع طريقٍ للتعبير عن سوادٍ يسكن زواياه المظلمة، وطاقة سلبية استقرت بأعماقه، وعن فكرٍ عقيمٍ تسلح به. فأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي بأمثاله غابةً تُحارب فيها القيم، ويسود الرعاع في أنحائها.
ظهر مفهوم التنمر الإلكتروني كنتيجةٍ طبيعيةٍ لتطور الحياة, وتقدم التقنية. فانتقل المتنمرون من الواقع إلى عالم افتراضي، فجددوا وسائلهم، وبقي هدفهم كبوصلة تعيدهم إلى أزقة الخنا المنتنة. ولا زالوا يتلذذون بإيذاء مشاعر الناس، ومضايقتهم، بل -أحيانًا- يتمنون تدمير حياتهم.
الدخول لعالم التنمر الإلكتروني لا يتطلب إلا دقيقتين؛ لإنشاء حسابٍ باسمٍ مستعارٍ، محاولاً إخفاء وجهه بقناعٍ؛ كي لا يراه الناس على حقيقته البشعة، وواقعه المرير. وأحياناً بادّعاء الشجاعة يتنمر باسمه الصريح -وهؤلاء قلة-. المتنمرون أصنافٌ عدة، لعل من أبرزهم:
- المتنمر التقليدي:
الذي يعتمد على معلومات أو أمور محرجة -أو يظنها محرجة-، سواء كانت حقيقة أو مزيفة، المهم إيذاء المستهدف بالتنمر.
- المتنمر الغبي:
هو الذي يكشف عن ضحالة فكره، وفهمه الخاطئ، وتفسيراته المضحكة؛ فيتنمر من زاويته الضيقة.
- المتنمر (السيناريست) كاتب السيناريو:
صاحب المخيلة الخصبة، والأسلوب المؤثر، والموهبة الموظفة في غير محلها، فيصنع من خياله حبكة درامية تضاهي المسلسلات الرمضانية المبتذلة في السنوات الأخيرة. هذا الصنف قد يُجند من أصحاب النفوذ؛ لينفذ أجندتهم، والثمن دائما بخس.
- المتنمر (راكب الهاشتاق) :
يشكل مع أمثاله قطيعًا يسير في مؤخرة الركب، ولا يعلم ما يحدث في أوله. لا يتبين الحقيقة، ولا يعلم مدى الضرر الذي تسبب به، وإن علم متأخراً يعز عليه التصحيح، وأقصى ما يفعله (مسح المنشور).
محاربة التنمر الإلكتروني عبر خطوط عدة، منها: العقوبات الرادعة والمغلظة على المتنمرين، والدولة مشكورة لا زالت تلاحق المتنمرين وتردعهم. كذلك الردع الاجتماعي للمتنمر، وعدم التغافل عن توجيهه ونقده إن عُلمت هويته. أيضاً من الحلول رفع الوعي والتثقيف عبر حملات وندوات تحدد الظاهرة، وتبين أشكالها وآثارها على الفرد والمجتمع، من تفكك واكتئاب وأحياناً تصل إلى الانتحار. ولو وضع كل متنمر نفسه أو أحد أفراد أسرته مكان المتنمَر عليه لمَا فعل أفاعيله.
هي رصاصة إلكترونية في جهاز كل فردٍ منا، فإن أطلقتها؛ فلا تتعجب إن كانت النتيجة قبرٌ كُتب عليه (قُتل بوسائل التواصل الاجتماعي). كفى بكلام الله واعظًا: “ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تُظلم نفسٌ شيئاً وإن كانت مثقالَ حبةٍ من خردلٍ أتينا بها وكفى بنا حاسبين”.
خالد العجران
رئيس قسم التدريب في منظمة سعوديون في أمريكا
التعليقات 4
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
ساره بشاوري
06/08/2020 في 10:35 ص[-7] رابط التعليق
جميل انك سميته تنمر
لانه يضايق فعلاً
ابدعت والله 👏🏻
خالد العجران
14/08/2020 في 12:46 م[-7] رابط التعليق
شكرا لمرورك وتعليق زميلتي سارة..
أحمد الشودحي
07/08/2020 في 1:27 م[-7] رابط التعليق
أحسنت أستاذ خالد
مقال يترجم الواقع
خالد العجران
14/08/2020 في 12:47 م[-7] رابط التعليق
شكرا لك الغالي أحمد.. كلماتك ياصديقي محفزة منذ معرفتي بك.. كم أنا محظوظ بك