التصالح مع الذات، ذلك الرضا الداخلي الذي نعكسه للآخرين؛ تلك الأداة الإقناعية الي تبين حجم القبول بالنفس ومقدار الاتكاء عليها؛ وهي ايضًا تلك الطاقة الكامنة بالنفس التي تعبُرُ من روح المتصالح مع ذاته لأي روح تتواصل مهه. وقد نستطيع القول بأنها تلك الميزة التي تؤهلك للقيام بكل أمر يوازي قدراتك أو قد يفوقها على حسب الإستطاعة؛ وبالأصح يمكننا القول بأنها معيار الإيمان بالإستطاعة، بما ستفعل أو لن تفعله ولماذا ستفعله ولأي فئة او طاريء ستفعله.
فالتصالح مع الذات تلك البذرة التي تُغرس بنفوس الأطفال منذُ الصغر بأيدي أولياء أمورهم؛ فتعزيز تصالح الفرد مع ذاته يبدأ من والديه الى أن ينتهي الفرد لاحقًا في تأصيلها بذاته. وأيضًا من الوالدين يبتديء تحطيم الفرد لذاته إلىٰ أن يتعلم لاحقًا أساليب التصالح معها ومحاولة تقبلها أويبتديء في تهشيمها داخليًا وذلك بتحجيم قدراته أو الإستهانه بها إلى أن ينتهي بإزدراء الخَلقِي منها والتقوقع في جُحْر الخُلُقي منها. فالعتب هنا للوالدين على قدر الملامة؛ فكيف تزرع في ابنائك عُقدًا وهم ببراءة طفولتهم ثم لاحقًا ترتجي من شخصياتهم أن تثمر بمحبة الذات، وتزهر بقوة الشخصية، وتتعامل بثقة عالية بالنفس. فالبقدار الذي تسعىٰ فيه لتحبيب أبنك لعيوبه تتنامىٰ فيه بذره التقبل والايمان بالإمكانات.
والتصالح مع الذات كما يكون في العيوب يكون ايضًا في الحسنات والمميزات التي تتمتع بها الذات. فبحالة التصالح مع عيوب الذات بشقيها الخَلقي والخُلُقِي تكون قد قطعت شوطًا كبيرًا في تقبلها. والعيب الخَلقي بعد رحلة التقبل قد تراه تفردًا يميزك عن غيرك، والخُلُقي (كالنرفزة، الغضب، التوتر، التسرع) في حالة تصالحك معه قد تبدأ في محاولة كبحه وتقنينه بالتأني ومراجعة الذات قبل اي قول وفعل. فالعيوب التي تتعلق بردود الفعل من قول عمل؛ بمجرد أن تتصالح ذاتك معها ستحاول تجنّب الوقوع فيها إلى أن تغدو من العيوب المنسية.
وبالمقابل، الوجه الآخر، للتصالح مع الذات، التصالح مع مميزات الذات وحسناتها. فهل نحتاج أن نتصالح مع مميزاتنا والحسنات التي تتسم بها شخصياتنا كما نتصالح مع عيوبنا؟ أم أن هذا الجانب نحنُ مسبقًا متصالحين معه وذاك يظهر للعلن في تباهينا فيه!. فحينما تتصالح مع ذاتك بما تمتاز به؛ معناه أنك لا تجعل ممّا أمتازت به ذاتك سُلمًا وأداة تستغل بها الغير أو سببًا تتعالى فيه على الآخرين بحجة أنك متصالحًا مع ذاتك للحد الذي تصل فيه للغرور بها. فالتصالح مع المميزات يكون في جعلها أداة تطويرية وخريطة اِرشادية للذات؛ فهي البوصلة التي بإستطاعتك أن توجِّه بها ذاتك للملائم لها. وفي عودة للنشء، رفقًا بذات ابنائك، وكن واضع اللبنة الأولى في مرحلة تصالحهم وتقبلهم للذات التي هم عليها. فروح الاطفال روحٌ متعطشة للبناء والتعزيز فلا تكن المِعول الذي يساهم بهدم ثقتهم بشخصياتهم وقناعتهم بها.
بالمختصر، مافي نسبة تصالحك مع ذاتك؟
هاجر هوساوي
HajarHawsawi@